Pages

Tuesday, 27 September 2016

الأسد

"ماذا لو؟"

   سؤال وجودي قصير قد يبدو بسيطا، ولكنه كفيل وحده بـأن يدفع الرجل إلى حافة الهاوية حيث لا مفر ولا منقذ.
كم من رجال ظنوا انفسهم حكماء حتى سقطوا وتحطمت آمالهم وكبريائهم على صخور الواقع الأليم الذي لا يرحم...؟ لماذا اذا نصر كل الاصرار على نفس المصير بالرغم مما نراه بأم أعيننا؟ هل اعتدنا الألم لهذه الدرجة حتى صرنا نبحث عنه بأنفسنا؟ فهو ادمان اذا... يدمر حياتنا ويشغل تفكيرنا ويقتلنا بطيئا بينما نتلذذ بالنشوة قصيرة الامد، غير مدركين تأثيره على الاهل والاحباب.. 

******************************************************

تمر الايام ويظن صديقنا نفسه سعيدا... بالطبع، و لما لا؟ فقد فهم الدنيا أخيرًا... يعيش حياته مابين عمله واهله واصدقاؤه، لا ينقصه شيء... على حد علمه على الاقل. لما اذا يشعر بنقص شديد لا يعوض؟ بات السؤال واضحا، والاجابة أوضح بعد... 
حيث لم يكن في حسبانه ما حدث على الاطلاق... فقد الف حياة العذوبيه واعتاد اسوار قلعته وتحصيناتها، حيث مكث معظم سنين عمره مثل الأسد في عرينه... مدافع عن استقلاله وحريته، كاشر عن أنيابه لمن تسول لها نفسها بأن تقترب له... كان زئيره مدويا وأنيابه حادة، ولكنها إن دلت على شيء دلت على خوفه الشديد من تمليك نفسه لشخص اخر، يستطيع بـكل بساطة ان يسحقه إذا أراد...

لك ان تتخيل الصدمة اذا عندما وجد أحدا قد تخطى دفاعاته يوما... فهو شيء لا ولم يحدث أبدا... والغريب انه بدلا من أن يزأر، خارت قواه حتى صار وديع مثل القط. كانت كل غرائزه تحذره من ذلك الزائر الغريب، ولكنه ما يلبث ان يحاول الزئير حتى تتحول زمجرته إلى مواء... حتى مخالبه أعلنت عصيانها لأوامره الملحة... فقط وقتها ادرك الأسد انه لم يعد ملك الغابة... فـإنه لم يعد حتى ملك قراره... وبالرغم من ذعره، ايقن الأسد  حقيقة لطالما حاول أن ينساها.. أنه حتما كان سيتمكن أحد منه في يوم من الايام، ولن يكن قادر على الدفاع عن نفسه بالرغم من شراسته... ولكنه أبدا لم يتوقع ان يسلب السيطرة لهذه الدرجة وبهذه السرعة. 

في تلك اللحظة قرر الأسد أن يرضخ، فأي كائن قادر على السيطرة على ملك الغابة يستحق الاحترام والتبجيل... وعندما اخذ ذلك القرار، ادرك ارتياحه الشديد لهذا الدخيل... فـإذا به يتخيل مشاركته في عرينه وطعامه وحياته كلها... بات الأسد الأبي الفخور ذليلا ولكنه لم يبالي، فاذا به سعيدا مغردا مثل الطيور، مليئ بالفرحة والتفاؤل والأمل.. 

ويالسخرية القدر! فبينما هو يحاول التأقلم على الواقع الجديد، بعدما انقلب عالمه رأسا على عقب، فجأة يجد صديقنا نفسه وحيدا مرة أخرى في عرينه! أكان حلما هذا ام حقيقة؟!  ربما كان حلما، فالواقع قبيح كل القبح... لا يمكنه إنتاج شيء بهذا الجمال.

التقط الأسد أنفاسه وعاد إلى جولاته حول عرينه مجددا... فهو لن يسمح لما حدث بان يتكرر أبدا.

No comments:

Post a Comment